نسبه و مولده :
هو إبراهيم بن محمد الساسي بن عامر الملقب بالعوامر ، من مواليد وادي سوف سنة 1881م ، و هي السنة التي احتلت فيها تونس ، و كانت الجزائر يومئذ تحت حكم الحاكم لويس تيرمان Louis Termain الذي زار وادي سوف ، و كانت رئاسة المكتب العربي في المدينة للضابط كوفييه .
و اما نسبه فقد ذكره هو بنفسه في كتابه '' الصروف في تاريخ الصحراء و سوف '' في القسم الثاني الخاص بأنساب وادي سوف الذي قسمهم الى قبائل و فصائل و عمائر و بطون و أفخاذ . و من بين تلك القبائل قبيلة الشبابطة العربية التي قسمها الى اثني عشرة عميرة ، و تسمى الثانية منها أولاد بوجديد و تنقسم الى ست فصائل، اثنتان اصليتان ، و اربع ملحقات ، و تعرف الرابعة منها بالعوامر و هي التي ينتمي اليها صاحب الترجمة ، و العوامر حسب رأيه هم أصحاب سيدي عامر بن صالح بن محمد بن أحمد ....بن إدريس الأكبر مؤسس الدولة الادريسية ، و ينحصر نسل بني عامر الواديين في احد أبنائه و هو محمد بن عامر الذي قدم من ناحية سوسة التونسية و تناسلت منه ذرية كثيرة مات بعضها من غير عقب ، و البعض عقب و هم أولاد عامر و إبراهيم و احمد و علي ، و الثاني هو جد إبراهيم العوامر ، و قد أنظمت فصيلة العوامر إلى أولاد بوجديد بالمصاهرة.
لقد نشأ العوامر في مدينة وادي سوف حيث قرا و درس على شيوخها و منهم عبد الرحمن العمودي و محمد العربي بن موسى ، و في شبابه كان الفرنسيون قد سمحوا بالدروس المسجدية ، ثم رحل الى تونس و دخل الى الزيتونة لاستكمال دراسته ، و هناك درس على الشيخين المتنورين وكلاهما كان من شيوخ ابن باديس أيضا ، يتعلق الأمر بالشيخ محمد النخلي و محمد الخضر حسين ، و كان الأول نقادا خبيرا، و أستاذا كبيرا ، ميالا لتحقيق المباحث ، نابغة و شعلة في الذكاء و المحاضرة ، ذا همة عصامية و نفس أبية ، تصدر للتدريس و تخرج عليه الكثير من الفحول و قضى جل عمره قراءة و اقراءا و ختم الكتب العالية في فنون شتى فشاع ذكره و ارتفع قدره ، توفي سنة 1342 هـ.
بعد أن أتم العوامر دراسته بتونس خرج إلى دنيا العمل حيث توظف في القضاء بمحكمة الوادي التي كان يشرف عليها المكتب العربي العسكري ، و قد طال عهده في القضاء ، و لم يمارسه في سوف فقط ، بل عين في أولاد جلال أيضا و في توقرت أيضا، و كان عمله في المحكمة نضالا و جهادا ، اذ البس المحكمة لباسها الحقيقي ، فنظم الأحكام و طبقها حسب الفقه الاسلامي المالكي كما يقول أحد تلامذته ، و في حادثة الأرامل اللواتي قتل أزواجهن و أغير على ابلهن في حدود صحراء طرابلس ( ليبيا )، و تآمر الحكام الفرنسيين على الاستئثار بجزء كبير من الدية المالية التي أرسلتها الحكومة الايطالية لهؤلاء الأرامل ، وقف الشيخ القاضي في وجه المتآمرين و كشف ألاعيبهم ، بكل صرامة ، حيث أعاد لهن حقوقهن مما يدل على نصرته للحق و العدالة و دفاعه عن مصالح الضعفاء و عدم مبالاته بالحكام الفرنسيين عندما تمس المصالح الدينية للأمة.
و لم تشغل وظيفة القضاء و مشاكلها و تبعاتها الشيخ العوامر عن التدريس متطوعا في مساجد الوادي حيث كان يدرس العلوم الدينية و اللغوية ، و كان يلقي درسا صباحيا لطلبة العلم ، و بعد صلاة المغرب يلقي درسا في مختصر خليل يحضره الطلبة و غيرهم ثلاث ليالي في الاسبوع ، و يلقي أيضا درسا في التفسير ، و لم تتعطل الدروس سوى ليلة الجمعة و صباحها حسب احد تلامذته و هو حمزة بوكوشة ، وقد قرأ عليه مقدمة ابن آجروم في النحو ، و مختصر خليل في الفقه المالكي ، و كان يذكر بعد قراءة المتن أقوال الشيوخ و يقارن بينها و يوجهها ثم يرجح بينها و ينقد بعضها ، و قد يخالف صاحب المتن أحيانا ، و يخرج عن المذهب المالكي إلى غيره ، و كان سهل العبارة في درسه ، و يفهمه الجميع على مختلف مستوياتهم و درجاتهم ، كثير الاطلاع ، جماعة للكتب مغرما بها.
و مثل الكثير من علماء عصره ، ارتبط العوامر بالطرق الصوفية التي كانت متنفذة في وادي سوف و اهتم بها و انظم إليها و هي التيجانية القادرية الرحمانية ، و كانت التيجانية هي طريقة والده محمد الساسي ، و القادرية هي طريقة والدته.
آثاره :
و الى جانب العمل في سلك القضاء والتدريس و الفتوى و الاهتمام بالطرق الصوفية و خدمتها ، شارك العوامر في النشاط الثقافي بتأليفه في العروض و المواريث و التاريخ و التصوف ، و فيما يلي قائمة الكتب و الرسائل التي وضعها :
1 – '' الصروف في تاريخ الصحراء و سوف '' و هو من كتب التاريخ المحلي الخاصة بالجنوب الجزائري ، و قد ألفه سنة 1331 هـ / 1931 م ، بطلب من أحد الفرنسيين الذي لم يذكر اسمه و عبر عنه بولاة الامور ، و ينقسم الكتاب الذي هو عبارة عن مسائل و حوادث متفرقة و ليس تاريخا مترابطا الى قسمين متميزين ، الاول في المسائل النبذ التاريخية ، و الثاني في الأنساب و هو اقل حجما ، و من موضوعات القسم الاول مسائل عامة في الجغرافية و صفة المنطقة و نباتها و عمرانها ، و الشعوب القديمة السابقة للفتح الإسلامي ثم الفتح نفسه ، و الهجرة الهلالية خصوصا قبيلة طرود و عدوان و ما جرى في عهدهم من وقائع ، و كذلك مسائل و احداث جرت في القرن التاسع عشر بما فيه العلاقات مع الفرنسيين.
أما قسم الأنساب فان كل قبائل سوف عربية حسب العوامر ، و قد ذكر القبائل بالتفصيل في مناطق الوادي و هي كوينين و قمار و تاغزوت و الدبيلة و سيدي عون و الزقم و البهيمة و غيرها ، و من مصادره ابن خلدون و ابن أبي دينار ، و الزركشي و العدواني ، و مخدرة الشيخ العروسي ، كما اعتمد على الرواية الشفوية و أقوال العلماء ، قام بنشر الكتاب ابنه الجيلالي و طبع بالدار التونسية للنشر سنة 1977م .
2 – البحر الطافح في بعض فضائل شيخ الطريق سيدي محمد الصالح ، و هي رسالة ألفها العوامر في هذا الشيخ إعجابا به و بطريقته الرحمانية في وادي سوف ، و كذلك وفاءا لوصية جده الذي أوصاهم بخدمة أولاد شيخه حسبما ورد في الرسالة.
3 – منظومة العوامر في العقائد ، و هي رجز قصير نظمه سنة 1322 هـ
4 – مواهب الكافي على التبر الصافي '' و هو شرح للكتاب الذي وضعه الشيخ المولود بن الموهوب مفتى قسنطينة بعنوان : '' التبر الصافي في نظم الكتاب المسمى بالكافي في الشعر و القوافي '' ، أي ان ابن الموهوب قد نظم كتاب الكافي في العروض و القوافي ، و قد طبع شرح العوامر هذا بتونس سنة 1323هـ .
و يبدو من خلال الوثائق و تلامذة ابن العوامر انه قد ربط علاقة وطيدة بالشيخ ابن الموهوب ، و مال اليه و أعجب بأفكاره فتخلى عن الكثير من معتقداته الصوفية ، و قام بالإضافة إلى النظم المذكور بتشطير القصيدة المعروفة لابن الموهوب المعروفة بالمنصفة و سماه '' مطالع السعود في تشطير أدبية الشيخ المولود '' و نشر التشطير في جريدة الفاروق العدد 56 السنة الثالثة 1914 م ، و هذه القصيدة في ذم البدع و الطرق الصوفية التي تدعو الى الشعوذة و التخاذل ، و هي صيحة إصلاح اجتماعي و أخلاقي في ذلك العصر ، و قد قام بشرحها أيضا شيخ ابن الموهوب الشيخ عبد القادر المجاوي و سمي شرحه : '' اللمع في نظم البدع ''.
5 – المسائل العامرية على مختصر الرحبية '' و الرحبية نسبة الى محمد بن علي الرحبي و هو عالم فقيه ، و هي من المتون الأساسية التي كان يحفظها التلاميذ في علم الفرائض ، و قد شرحها العوامر و تناول فيها آيات الميراث ، و عدد أسباب الميراث ، و باب الوارثين من الذكور و الوارثات من الإناث و غير ذلك ، و الكتاب مطبوع بتونس سنة 1325 هـ و عليه تقريظ لأحد تلامذة اسمه الهاشمي بن الحاج أحمد.
6 – '' النفحات الربانية على القصيدة المدنية ''
7 – '' النونية على الآجرومية '' و هو نظم وضعه على الآجرومية في النحو.
وفاته:
و على العموم فقد اثرى العوامر المكتبة الإسلامية و العربية بمؤلفات علمية لها قيمتها منها ما طيع و منها ما يزال مخطوطا ، و قد اصيب في اواخر حياته بمرض اعقده في الفراش حتى وفاته سنة 1934 م بمدينة تقرت انتاجه الشعري :
- له ديوان مخطوط، أغلبه في مدح شيخه «المولدي»، بالعربية الفصحى، وديوان آخر شعبي (ملحون).
الأعمال الأخرى:
- له عدة مؤلفات، أكثرها شروح في علمي العروض والقافية، وفضائل أشياخه من المتصوفة، وفي العقائد، وله تشطير على نظم للشيخ المولود بن الموهوب في ذم البدع - نشر في مجلة الفاروق (1914).
شعره اتباعي في أغراضه وموضوعاته وطريقة أدائه الفني، فقد كتب في الحنين والدعاء والاستغاثة ومدح شيوخه، بلغة بسيطة، حريصاً على تزيينها من خلال المحسنات البديعية.
مصادر الدراسة:
1 - أبوالقاسم سعدالله: تاريخ الجزائر الثقافي دار الغرب الإسلامي (ط
- بيروت 1998 .
2 - حمزة بوكوشة: مقدمة كتاب: الصروف في تاريخ الصحراء وسوف، - تونس 1977 .
3 - عادل نويهض: معجم أعلام الجزائر - مؤسسة نويهض الثقافية، (ط3) - بيروت 1983 .
4 - يوسف إليان سركيس: معجم المطبوعات العربية والمعربة - مطبعة سركيس - مصر 1928 .
من أروع اشعاره لقصيدة المباركة المسماة بـ "المبشر" وهي تقريبا على وزن المنفرجة لحجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه
يا من يبشِّرُ بعد اليأس بالفرجِ *** عجِّلْ بطرد جميع الضّيق والحرجِ
يا نجلَ غوثِ الورى السَّامي برتبتهِ *** المولديِّ السَّريِّ واضح النَّهَج
يا صاحبَ الوقت يا «بُوبَكرِ» يا سندي *** أرجو انتعاشًا بكم يا ساطعَ الأَرَج
إنِّي بُليتُ بقومٍ لا خلاقَ لهمُ *** يسعَونَ خلفي بإدخالي إلى اللُّجَج
تعصَّبـوا واستعــانوا بالذي لهمُ *** ولفَّقُوا زورهمْ من باطل الحُجج
وقصدُهم أن أُرى بالأرض منطرحًا *** يدوسني ذو الخنا منهم وذو الرهج
ونترك الملكَ معْ إخوان مَجمعنا *** ويذهب الجمعُ أشتاتًا من الدرج
ولا يُرى ذاكرٌ لسرِّ طلعتكم *** و يصبح القومُ بعد الحزم في الهَرَج
ويذهب الذكرُ أدراجَ الرّياح كما *** قد يَدْلَهِمُّ الفضا من بعد ذا البَلَج
ويضمحلُّ الرجا من صدق وعدِكمُ *** ووعد والدكم في مجمع السُّرُج
لكنني لا أرى هذا يكون لنا *** لأنَّ شيخي يزيح الوغْدَ بالبهَج
يا صاحبَ الفضل يا «بُوبَكْر» يا أملي *** قل لي: عليك برفع الصّوت بالهرج
واضربْ بأرضك لا تخشَ العدا أبدًا *** واقطعْ بصارمك الماضي شَوى السلج
واظهرْ وفاخرْ بآباءٍ ذوي هممٍ *** لا يرتضون مسيرَ النَّجْل في الدُّلَج