المقدمة: الطبيعة كتاب كبير ن تمثل المظاهر الكونية صفحاته المبهمة التي لا تنتهي خاصة إذا كان قارئها الإنسان المتأمل ، الفضولي الذي يخاطبها يوميا بآلاف الأسئلة .إن لغز هذا العالم يضعنا كبشر ضعاف العلم والقوة إمام مشكلات تواجهنا كل يوم ،نعجز عن حلها ونقف إمامها في دهشة وحيرة من أنفسنا وجهلنا سواء تعلق الأمر بمشاكل حياتنا الاجتماعية أو العلمية أو الفلسفية، وعلى الرغم من ذلك نسعى لحلها ، ولو إننا في كثير من الأحيان تصد الأبواب في وجوهنا ونرجع خائيين دون إن نظفر على إجابات تذكر.، فنقول أنها معضلة. فما هو الفرق بين الحالة التي نكون فيها أمام مشكلة والحالة التي نكون فيها أمام إشكالية؟
محاولة حل المشكلة:
أوجه التشابه: سواء كنا أمام موضوع علمي أو موضوع فلسفي يدرس الوجود أو القيم أو المعرفة ، فإننا ننطلق من إثارة قضية فكرية في كلتا الحالتين .ولو عدنا إلى تاريخ التساؤل الفلسفي منذ عهد سقراط وأفلاطون وابن رشد وديكارت إلى عهد راسل وسارتر نجد كثيرا من المشكلات طرحها الفلاسفة وعالجوها حسب قناعاتهم مثل الحرية ومشكلة السلطة والأخلاق ، وفي نفس الوقت لا زالت الإجابة عنها إلى يومنا هذا لم تصل إلى درجة الإقناع أو بمعنى آخر درجة الإطلاق . كسؤالنا ماهي الروح أو النفس أو....، ففي كلتا الحالتين هناك فكر وقضية مطروحة للبحث ومن جهة آخري فإن الانفعال العقلي الذي تثيره المشكلة وتثيره الإشكالية من حيث شعور الفيلسوف بالجهل والعجز عن الحل هو نفسه هو هو. كما إن السائل باعتباره العقل الإنساني قبل كل شيء فهو يهدف إلى طلب الحقيقة سواء طرح مشكلة أو طرح إشكالية.
· حصيلة طرح صعب
· كل منهما يحتاج إلى تحليل وبحث وجهد وتحريك الأنا والذات والشعور
· يعبران عن السؤال الفلسفي
· يهدفان إلى تحصيل الحقيقة والكشف عن الجوهر
· يهدفان إلى إسقاط الغموض وفك الإبهام )
أوجه الاختلاف:لكن هذا التشابه بين المشكلة والإشكالية لا يفيد التطابق والمساواة في المعنى والهدف والتعامل مع الأشياء ،فالسؤال المنبثق عن الدهشة والحيرة يعبر عن المشكلة ، أما الإشكالية فهي نابعة عن الارتياب والمخاطرة والإحراج ،وقضاياها يمكن فيها الإثبات أو النفي أو النفي فيهما معا،فالمشكلة هي واقعة غير مبررة ، غير مفسرة أو هي واقعة خام ، أي هي الأمر الصعب الملتبس أو المعضلة التي نتوصل فيها إلى حل، ولكن بوجود التباسات فيها تحرك الفكر وتبعث فيه الفضول والشك حيث تدفع بصاحبها إلى البحث عن الحقيقة من خلال المعضلات التي تثيرها فيه، حيث أن مصدرها الوعي والجهل وإدراك الصعوبة والإحساس بالقلق ،بينما الإشكالية فتعد معضلة فلسفية لا يقتنع فيها الباحث بحل الأطروحة حيث يبقى مجالها مفتوح (حلها مفتوح)وتؤدي إلى مشقة زائدة في الدين والنفس ، فهي مجموعة إجراءات وافتراضات وخطوات لحل المشكلة بحيث أن المشكلة أقل حدة وتأثير في نفسية وعقل الفيلسوف من الإشكالية ،يقول كارل ماركس :" الإنسانية لا تطرح المشاكل التي تستطيع حلها". إن المشكلة تثير فينا الدهشة التي توقظ فينا صحوة العقل وتدفعه إلى اكتشاف جهله فهي لا تشله بل تدفعه إلى البحث عن الحقيقة فالمعاناة العقلية ناتجة عن صعوبة السؤال الذي نطرحه ونحن نشاهد أو نتخيل أو نتأمل في شريط مكثف من الظواهر التي نجهل تماما أسبابها فيتشابك لدينا العالم المرئي مع العالم غير المرئي فنندفع لخرق أسراره فالجهل حجاب الحقيقة الذي يمنع النفس من المسك بها ، لذلك فهي تسعى في مغامرة متواصلة إلى تمزيقه والخروج من الظلام إلى النور علي حد رأي أفلاطون ، أو كما يقول كارل ياسبرس :" يدفعني الاندهاش إلى المعرفة فيشعرني بجهلي." أو كما قال سقراط وهو يعبر عن دهشة تجاه ما يراه ويدور في ذهنه من الأسئلة :" كل ما اعرفه هو أنني لا اعرف شيئا." إذن الدهشة هي لحظة من الذهول والتفاعل تجعل الفيلسوف يراجع معارفه ويبحث عن الأدوات المناسبة لحل المشكلة التي حلت به .فهي قابلة للحل ، لأنها محدودة في مجال البحث الفلسفي ، فحينما نطرح سؤال حول مصدر القيمة الخلقية فنحن نثير مشكلة قابلة للبحث وقابلة للحل على حسب كل مذهب وكل نزعة ولكننا حينما نطرح السؤال التالي : هل يمكن الحديث عن مكان دون أن يكون المكان موجودا في مكان آخر؟فإننا هنا نطرح إشكالية تثير فينا الشك والحيرة والدهشة والإحراج ونشعر بالانسداد وعدم وضوح المنفذ أو المخرج وبالتالي فالإشكالية ليست قضية شخص واحد بل هي قضية إنسانية عالمية .إن السؤال عن ما هي الروح ؟ وأين يذهب الإنسان بعد الموت ؟هي إشكالية مطروحة على العقل البشري منذ أن خلق. وما زالت تثير فيه القلق كلما شعر بأنه يواجه مصيرا مجهولا لا يملك مفاتيحه، وبناءا على ما سبق فإن الإشكالية لا تساوي المشكلة لأنها أوسع نطاقا منها ، لأن المشكلة محدودة في مجال البحث الفلسفي. كما أن المشكلة هي التي تحدد الإشكالية بينما الإشكالية هي الحلول الممكنة للمشكلة. إلى جانب ذلك يقول ج/ ديوي :" التفكير لا ينشأ إلا إذا وجدت مشكلة" ويقول لالاند :" الإشكالية هي سمة حكم أو قضية فتكون صحيحة لكن الذي يبحث لا يؤكد صحتها."
مواطن التداخل: لا شك أن النظام الذي يحكم آلية العقل والمنطق الذي يرتب به قضاياه ، يجعله حين يبسط ينتقل من الإشكالية إلى المشكلة يفككها إلى أجزاء ثم يعمل على حلها ، كما أنه حين ينظم ، يجمع مشكلاته تحت إشكالية واحدة كعنوان ينظم به طريقة تفكيره ، فالعلاقة هي علاقة الجزء بالكل، فالكل لا يكون كلا إلا إذا جمع كل أشتات أجزائه ، والجزء لا ينفرد إلا بتميزه عن الكل . فالمشكلة الفلسفية التي ينطلق منها الموضوع قد تتحول إلى إشكالية كما أن الموضوع الذي ينطلق من إشكالية بعد تأمل وحكمة وغربلة فكرية عميقة يتحول إلى مشكلة.
الخاتمة: نسبة الترابط:
إن العلم التساؤلي الذي يتعامل به الفلاسفة مع المشاكل الطبيعية والفلسفية سلم تصاعدي ينتقل فيه من طرح مشكلة ثم إشكالية ولكن في الحقيقة ليس هناك فصل تام بينهما ، بحيث تمثل الإشكالية ميدان بحث مستمر يشد العقل إلى طلب المعرفة الكلية ويبقى فضوله مشدودا لأفاق المعرفة المعمقة التي تخفيها المشكلات.كما انه يجتهد في إيجاد الحلول الممكنة للمشكلة المطروحة أمامه ومن هنا نقول أن العلاقة بين المشكلة والإشكالية علاقة احتواء رغم الاختلاف وليس ترادف وتطابقا.