(1) Hobson. «Imperialism» L., 1902 ; p.58 (هوبسون، «الإمبريالية». الناشر). Riesser، المؤلف المذكور، ص ص 395 و404؛ P. Arndt في «Wetwirtschaftliches Archiv», Bd. 7, 1916, S. 35 (ب. آرندت في «سجلات الاقتصاد العالمي»، مجلد 7، سنة 1916، ص 35 الناشر)؛ Neymarck في Bulletin (نيمارك في النشرة. الناشر)؛ هيلفردينغ. «الرأسمال المالي، ص 492؛ Lloyd George (لويد جورج. الناشر)، خطاب في مجلس العموم في 4 ماي 1915؛ «Daily Telegraph» («التلغراف اليومية». الناشر)، 5 ماي 1915؛ B. Harms «Probleme der Weltwirtschft». Jena, 1912, S. 235. وغيرها (ب. هارمس. «قضايا الاقتصاد العالمي». يينا، سنة 1912، ص 235 وغيرها. الناشر)؛ Dr. Siegmund Schilder. «Entwicklungstendenzen der Weltwirtschft» Berlin, 1912. Bd. 1 . S. 150 (الدكتور زيغموند شيلدر «اتجاهات تطور الاقتصاد العالمي». برلين، سنة 1912 مجلد 1، ص 150. الناشر)؛ George Paish. «Great Britain’s Capital Investments etc» في «Journal of the Royal Statistical Society», vol. LXXIV. سنتي 1910-1911، ص 167 وما يليها (جورج بيش. «توظيف رساميل بريطانيا العظمى الخ.» في «مجلة جمعية الاحصاء الملكية»، مجلد 74. الناشر)؛ George Diouritch. «L’Expansion des banques allemandes à l’etranger, ses rapports avec le développement économique de l’Allemangne» P., 1909 p. 84 (جورج ديوتش «توسع البنوك الألمانية في الخارج وعلاقاته بالتطور الاقتصادي في ألمانيا». باريس، 1909، ص 84. الناشر)
(2) «Die Bank», 1913, 2, 1024-1025.
(3) Schilder، المؤلف المذكور، ص ص 346، 35، 371.
(4) Riesser، المؤلف المذكور، ص 375، الطبعة الرابعة و Diouritch ، ص 283.
(5) The Annales of the American Academy of Political and Social Science, vol LIX, May 1915, p. 301 (السجل السنوي لأكاديمية العلوم السياسية والاجتماعية الأمريكية، المجلد 59، ماي 1915، ص 301. الناشر). ونقرأ في المصدر نفسه، ص 331، أن الاخصائي المعروف في الإحصاء Paish (بيش) قد كتب في العدد الأخير من المجلة المالية «Statist» («الإحصائي». الناشر)، مقدمة مبلغ الرأسمال الذي صدرته إنجلترا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولنده بـ 40 مليار دولار، أي 200 مليار فرنك.
الفصل الخامس
اقتسام العالم بين اتحادات الرأسماليين
إن اتحادات الرأسماليين الاحتكارية – الكارتيلات، السنديكات، التروستات – تقتسم فيما بينها بادئ ذي بدء السوق الداخلية، مؤمنة لنفسها السيطرة على الإنتاج في بلاد معينة بصورة مطلقة ما أمكن. ولكن لا مناص للسوق الداخلية في عهد الرأسمالية من أن ترتبط بالسوق الخارجية. وقد أنشأت الرأسمالية السوق العالمية من أمد بعيد. وكلما كان يزداد تصدير الرأسمال وتتسع شتى أنواع العلاقات بالخارج وبالمستعمرات وتتسع «مناطق نفوذ» الاتحادات الاحتكارية الضخمة، كانت الأمور تسير «بصورة طبيعية» في اتجاه الاتفاق العالمي بين هذه الاتحادات، في اتجاه تشكل الكارتيلات العالمية.
وهذه درجة جديدة في تمركز الرأسمال والإنتاج على النطاق العالمي ودرجة أعلى من السابقة إلى ما لا قياس له. فلنر كيف يتشكل هذا الاحتكار الأعلى.
إن الصناعة الكهربائية هي الصناعة الأكثر نموذجية بالنسبة لأحدث نجاحات التكنيك ولرأسمالية نهاية القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين. وقد تطورت بوجه خاص في أرقى بلدين من البلدان الرأسمالية الجديدة – الولايات المتحدة وألمانيا. فقد كان لأزمة سنة 1900 في ألمانيا تأثير قوي جدا على اشتداد التمركز في هذا الميدان. إن البنوك التي كانت في ذلك الوقت قد التحمت بالصناعة لدرجة كافية قد عجلت وعمقت لأقصى حد أثناء هذه الأزمة خراب المشاريع الصغيرة نسبيا وابتلاعها من قبل الكبيرة. وقد كتب ييدلس أن «البنوك قد كفت بالضبط عن مساعدة المشاريع التي كانت بأمس الحاجة إلى المساعدة مسببة بذلك في بادئ الأمر نهضة عاصفة، ثم الإفلاس الأكيد لتلك الشركات التي لم تكن على صلة وثيقة بها»(1).
وبنتيجة ذلك سار التمركز بعد سنة 1900 بخطوات جبارة إلى الأمام. فقد كان في الصناعة الكهربائية قبل سنة 1900 ثماني أو سبع «جماعات» تتألف كل منها من عدة شركات (مجموعها ثمان وعشرون شركة) وكانت كل جماعة تستند إلى عدد من البنوك من 2 إلى 11 بنكا. وحوالي سنوات 1908-1912 اندمجت جميع هذه الجماعات في جماعتين أو جماعة واحدة. وقد تم هذا السير على النحو التالي:
الجماعات في الصناعة الكهربائية:
إن الشركة الشهيرة (AEG) (الشركة العامة للكهرباء) التي تضخمت على هذا الشكل، تهيمن على 175-200 شركة (على أساس نظام «الإشتراك») وتتصرف برأسمال مجموعة يقرب من 1.5 مليار مارك. في أكثر من 10 دول. ومنذ سنة 1904 كانت الرساميل التي وظفتها الصناعة الكهربائية الألمانية في الخارج تقدر بـ 233 مليون مارك منها 62 مليونا في روسيا. وغني عن القول أن « الشركة العامة للكهرباء» هي عبارة عن مشروع هائل «مركب» – شركاته الصناعية وحدها تبلغ 16 – وتنتج مختلف أصناف المنتوجات من الأسلاك والعازلات حتىالسيارات والطائرات.
ولكن التمركز في أوروبا كان كذلك جزءا لا يتجزأ من مجرى التمركز في أمريكا. وهاكم كيف تم هذا السير:
وهكذا تشكلت «دولتان» كهربائيتان «لا توجد في الأرض شركات كهربائية أخرى مستقلة عنهما بصورة تامة» كما كتب هينيغ في مقاله «طريق تروست الكهرباء». أما فيما يخص مقادير عمليات هذين «التروستين» وحجم مشاريعهما فالأرقام التالية تعطي عن ذلك صورة وان كانت بعيدة عن أن تكون كاملة:
سنوات تداول البضائع (بملايين الماركات) عدد المستخدمين الربح الصافي (بملايير الماركات)
أمريكا «شركة الكهرباء العامة» (G.E.C) 1907 252 28000 35.4
1910 298 32000 45.6
ألمانيا: «الشركة العامة للكهرباء» (A.E.G) 1907 216 30700 14.5
1911 362 60800 21.7
وما أن حلت سنة 1907 حتى عقد التروستان الأمريكي والألماني اتفاقية على تقاسم العالم. المزاحمة تزول. «شركة الكهرباء العامة» (G.E.C.) «تحصل» على الولايات المتحدة وكندا و«تنال» «الشركة العامة للكهرباء» (A.E.G.) ألمانيا والنمسا وروسيا وهولنده والدنمارك وسويسرا وتركيا والبلقان. وقد عقدت اتفاقيات خاصة – سرية طبعا – بشأن «الشركات البنات» التي تتغلغل في فروع صناعية جديدة وفي بلدان «جديدة» لم تقتسم رسميا بعد. وقد تقرر تبادل الاختراعات والتجارب(2).
ويدرك المرء بالبداهة مدى صعوبة مزاحمة هذا التروست الموحد العالمي في الواقع، الذي يتصرف برأسمال يبلغ عدة مليارات والذي له «فروعه» ووكالاته وعملاؤه وعلاقاته وهلم جرا في جميع أصقاع العالم. ولكن اقتسام التروستين القويين للعالم لا ينفي طبعا إعادة التقاسم إذا ما تبدلت نسبة القوى بنتيجة تفاوت التطور والحروب والإفلاسات وغير ذلك.
وصناعة البترول تعطي مثلا بليغ الدلالة على محاولة إعادة التقاسم هذه، على الصراع من أجل إعادة التقاسم.
فقد كتب ييدلس في سنة 1905 أن «سوق البترول العالمية هي الآن مقتسمة بين جماعتين ماليتين كبيرتين: «تروست البترول» الأمريكي (Standard Oil C-y) العائد لروكفلر وصاحبي النفط الروسي في باكو روتشيلد ونوبل. والجماعتان على ترابط وثيق، ولكن احتكارهما مهدد منذ عدة سنوات من قبل خمسة أعداء»(3): 1) نفاد مصادر النفط الأمريكية، 2) مزاحمة شركة مانتاشيف في باكو، 3) مصادر النفط في النمسا، و4) في رومانيا، 5) مصادر النفط فيما وراء المحيطات ولاسيما في المستعمرات الهولندية (شركة صموئيل وشل الغنية جدا والمرتبطة كذلك بالرأسمال الإنجليزي). والفئات الثلاث الأخيرة من المشاريع متصلة بالبنوك الألمانية الكبرى وعلى رأسها «البنك الألماني» الضخم. وقد طورت هذه البنوك بصورة مستقلة ومنتظمة صناعة النفط في رومانيا مثلا لتكون «لها» نقطة ارتكاز. ففي سنة 1907 قدر الرأسمال الأجنبي في صناعة البترول الرومانية بـ 175 مليون فرنك منها 74 مليونا رأسمالا ألمانيا(4).
وقد ابتدأ الصراع الذي يسمونه في الأدب الاقتصادي الصراع من أجل «تقاسم العالم». فمن جهة، «تروست هبترول» روكفلر، طمعا منه في الاستيلاء على كل شيء، قد أسس «شركة بنت» في هولنده نفسها وشرع يشتري مصادر النفط في الهند الهولندية لينزل بهذا الشكل الضربة بعدوه الرئيسي: التروست الهولندي الإنجليزي «شل». ومن الجهة الأخرى، «البنك الألماني» وغيره من البنوك البرلينية سعت لأن «تحتفظ» «لنفسها» برومانيا وتوحدها مع روسيا ضد روكفلر. وكان لهذا الأخير رساميل أكبر بما لا يقاس وتنظيم ممتاز لوسائل نقل البترول وإيصاله إلى المستهلكين، وكان على هذا الصراع أن ينتهي وقد انتهى في سنة 1907 بهزيمة ساحقة مني بها «البنك الألماني» الذي وجد نفسه أمام واحد من أمرين: اما أن يصفي «مصالحه البترولية» بخسارة تبلغ الملايين وأمّا الخضوع. وقد اختار الحل الأخير وعقد مع «تروست البترول» اتفاقية غير مفيذة جدا «للبنك الألماني». وبموجب هذه الاتفاقية تعهد «البنك الألماني» بأن «لا يتخذ أي تدبير يضر بالمصالح الأمريكية»، هذا وقد استدرك بأن الاتفاقية تفقد مفعولها في حالة ما إذا صدر في ألمانيا قانون عن احتكار الدولة للبترول.
وعندئذ بدأت «مهزلة البترول». فقد أخذ أحد ملوك المال الألمان، مدير «البنك الألماني» فون غفينر يشن عن طريق سكرتيره الشخصي شتاوس حملة دعاية من أجل احتكار البترول. وقد تحرك بكل ضخامته جهاز أكبر البنوك البرلينية بما له من «علاقات» واسعة، وبحت حناجر الصحف من الصرخات «الوطنية» ضد «نير» التروست الأمريكي، فاتخذ الريخستاغ في 15 مارس 1911، بالإجماع تقريبا، قرارا يدعو الحكومة إلى وضع مشروع قانون عن احتكار البترول. وقد تشبثت الحكومة بهذه الفكرة «الشعبية»؛ و«البنك الألماني» الذي أراد خداع زميله الأمريكي واصلاح أحواله عن طريق احتكار الدولة للبترول قد بدا كأنما ربح لعبته. وقد أخذ لعاب ملوك البترول الألمان يسيل لتصور الأرباح الفاحشة التي لا تقل عن أرباح أصحاب معامل السكر الروس… ولكن البنوك الألمانية الكبرى قد اختصمت فيما بينها من أجل اقتسام الغنيمة ففضحت «شركة الخصم» مطامع «البنك الألماني» الجشعة، هذا أولا؛ وثانيا، خشيت الحكومة مغبة الصراع مع روكفلر، لأنه كان من المشكوك فيه جدا أن تحصل ألمانيا على البترول عن غير طريقه (ما دامت إنتاجية رومانيا ضعيفة)؛ وثالثا، جاء اعتماد مليار مارك في سنة 1913 لإعداد ألمانيا للحرب. وهكذا أجل مشروع الاحتكار وخرج «تروست بترول» روكفلر من الصراع ظافرا حتى حين.
وقد كتبت المجلة البرلينية «البنك» قائلة بهذا الصدد أن ألمانيا لا تستطيع النضال ضد «تروست البترول» إلاّ إذا أقامت الاحتكار على التيار الكهربائي وحولت طاقة الماء إلى كهرباء رخيصة. واستطردت المجلة قائلة: «ولكن احتكار الكهرباء لا يأتي إلاّ عندما يحتاجه المنتجون. أي بالضبط عندما تقف صناعة الكهرباء على عتبة إفلاس كبير جديد، وعندما تصبح عاجزة عن العمل بصورة رابحة المحطات الكهربائية الهائلة الغالية التي تشيدها الآن في كل مكان «كونسرنات» الصناعة الكهربائية الخاصة والتي تحصل لها هذه «كونسرنات» الآن على بعض حقوق احتكارية من المدن والدويلات والخ.. حينئذ تظهر ضرورة الاستفادة من طاقة المياه؛ ولكن لن يكون من الممكن تحويلها على حساب الدولة إلى كهرباء رخيصة، وسيتأتى مرة أخرى اعطاؤها إلى «احتكار خاص تراقبه الدولة»، لأن الصناعة الخاصة قد عقدت عدة صفقات وضمنت لنفسها تعويضات كبرى… هكذا كان الأمر فيما يخص احتكار القلى؛ وهذا هو حال احتكار البترول، وسيكون كذلك حال احتكار الكهرباء. وقد حان لاشتراكيي الدولة الذين تبهرهم المبادئ الخلابة أن يفهموا أخيرا أن الاحتكارات في ألمانيا لم تهدف ولم تفض في يوم إلى ما يعود بالنفع على المستهلكين أو حتى إلى اعطاء الدولة جزءا من أرباح أصحاب الأعمال، بل كان هدفها على الدوام أن تشفي على حساب الدولة الصناعة الخاصة المطلقة على هاوية الإفلاس»(5).
يضطر الاقتصاديون البرجوازيون الألمان إلى الإدلاء بمثل هذه الاعترافات القيمة. وهي تظهر لنا بوضوح كيف تندمج الاحتكارات الخاصة واحتكارات الدولة في كل واحد في عهد الرأسمال المالي وان هذه وتلك ليست في الواقع إلاّ حلقات في سلسلة الصراع الإمبريالي بين كبار الاحتكارات من أحل اقتسام العالم.
وفي ميدان الملاحة التجارية أفضى اشتداد التمركز الهائل كذلك إلى اقتسام العالم. وقد برزت في ألمانيا شركتان من كبريات الشركات: «هامبورغ-أمريكا» و«لويد المانية الشمالية» ورأسمال كل منها 200 مليون مارك. ومن الجهة الأخرى تأسس في الأول من يناير سنة 1903 في أمريكا ما يسمى تروست مورغان، «الشركة العالمية للملاحة التجارية» التي تضم 9 من شركات الملاحة الأمريكية والانجليزية وتتصرف برأسمال يبلغ 120 مليون دولار (480 مليون مارك). وفي سنة 1903 نفسها عقدت بين العملاقين الألمانيين وهذا التروست الأمريكي الإنجليزي اتفاقية بشأن تقاسم العالم بالاتصال مع تقاسم الأرباح. وقد تنازلت الشركتان الألمانيتان عن المزاحمة في الشحن بين انجلترا وأمريكا. وقد «اقتسمت» الموانئ بدقة وانشئت لجنة مشتركة للمراقبة وغير ذلك. وعقدت الاتفاقية لمدة عشرين سنة وتضمنت تحفظا للحيطة ينص على أنها تفقد مفعولها في حالة الحرب(6).
وبليغ الدلالة كذلك تاريخ تأسيس الكارتيل العالمي لقضبان السكك الحديدية. فقد قامت معامل قضبان السكك الحديدية في إنجلترا وبلجيكا وألمانيا بأول محاولة لإنشاء هذا الكارتيل في سنة 1884، أثناء الانحطاط الصناعي الشديد. وقد اتفقت على عدم المزاحمة في الأسواق الداخلية العائدة للبلدان التي تشملها الاتفاقية وعلى اقتسام الأسواق الخارجية فيما بينها على أساس النسب المئوية التالية: 66% لإنجلترا و27% لألمانيا و7% لبلجيكا. وتركت الهند بأكملها لإنجلترا. وقد شنت ضد شركة انجليزية بقيت خارج الاتفاقية حرب مشتركة سددت تكاليفها من نسب مئوية معينة من مجموع المبيعات. ولكن هذا الحلف قد انهار في سنة 1886 عندما خرجت منه شركتان إنجليزيتان. وجدير بالذكر أن الاتفاقية لم تحصل خلال مراحل النهضة الصناعية التي تلت.
في أوائل سنة 1904 تأسس سينديكا الفولاذ في ألمانيا. وفي نوفمبر سنة 1904 أعيد تأسيس الكارتيل العالمي لقضبان السكك الحديدية بالمعدلات التالية: إنجلترا 53.5%، ألمانيا 28.83%، بلجيكا 17.67%. ثم انضمت إليه فرنسا بمعدلات 4.8% و5.8% و6.4% في السنوات الأولى والثانية والثالثة إضاقة على 100 بالمئة، أي من حاصل 104.8بالمئة وهلم جرا. وفي سنة 1905 انضم إلى الكارتيل «تروست الفولاذ» الأمريكي («الشركة العامة للفولاذ») ثم النمسا واسبانيا. وقد كتب فوغلشتين في سنة 1910: «لقد تم اقتسام الأرض الآن، ولم يبق لكبار المستهلكين، وبالدرجة الأولى سكك حديد الدولة، إلاّ أن يحيوا كالشاعر في سموات المشتري ما دام العالم قد اقتسم دون أن يحسب لمصالحهم أي حساب»(7).
ولنذكر أيضا سينديكا الزنك العالمي المؤسس في سنة 1909 والذي حدد بصورة دقيقة مقاييس الانتاج بين خمسة فرق من المعامل: الألمانية والبلجيكية والفرنسية والاسبانية والإنجليزية؛ ثم تروست البارود العالمي وهو/ حسب تعبير ليفمن، «إتحاد وثيق على احدث طراز بين جميع مصانع المواد المتفجرة في ألمانيا اقتسم العالم فيما بعد، إذا جاز التعبير، بالاتفاق مع معامل الديناميت الفرنسية والأمريكية المنظمة على شاكلته»(
.
وقد حسب ليفمن بالمجموع في سنة 1897 نحو 40 كارتيلا عالميا اشتركت فيها ألمانيا وفي سنة 1910 نحو مائة.
إن بعض الكتاب البرجوازيين (الضين انضم إليهم الآن كاوتسكي الذي ارتد بصورة تامة عن موقفه الماركسي، عن موقف سنة 1909 مثلا) يقولون برأي مفاده أن الكارتيلات العالمية، وهي مظهر من أبرز مظاهر اكتساب الرأسمال للصيغة العالمية، تبعث الأمل باستتباب السلام بين الشعوب في عهد الرأسمالية. وهذا الرأي سخيف تماما من الناحية النظرية، وهو من الناحية العملية عبارة عن سفسطة وطريقة غير شريفة للدفاع عن أرذل الانتهازية. فالكارتلات العالمية تبين الدرجة التي بلغتها الآن الاحتكارات الرأسمالية والغرض الذي تتصارع من أجله اتحادات الرأسماليين. وهذه الناحية الأخيرة هي الأمر الأهم؛ إذ أنها هي وحدها التي تبين لنا مغزى الأحداث التاريخي والاقتصادي، لأن شكل الصراع يمكنه أن يتغير وهو يتغير على الدوام تبعا لأسباب مختلفة طابعها خاص ومؤقت نسبيا، في حين أن كنه الصراع لا يمكن أن يتغيرا بحال ما بقيت الطبقات. ومن المفهوم أن من مصلحة البرجوازية الألمانية مثلا، التي انضم إليها كاوتسكي في جوهر الأمر في محاكماته النظرية (وسنتناول ذلك فيما بعد)، طمس فحوى الصراع الاقتصادي الراهن (اقتسام العالم) وإبرام هذا الشكل من أشكال الصراع تارة وذلك تارة أخرى. ويقترف كاوتسكي الخطأ نفسه. ذلك لأن القضية ليست قضية البرجوازية الألمانية طبعا، بل قضية البرجوازية العالمية. فالرأسماليون يقتسمون العالم لا لأنهم فطروا على شر خاص، بل لأن التمركز قد بلغ درجة ترغب على ولوج هذا الطريق للحصول على الربح؛ هذا وهم يقتسمونه «حسب الرأسمال»، «حسب القوة» – لأنه لا توجد وسيلة أخرى للتقاسم في ظل نظام الانتاج البضاعي والرأسمالية. ولكن نسبة القوى تتغير تبعا للتطور الاقتصادي والسياسي؛ ولفهم الأحداث الجارية ينبغي أن نفهم المسائل التي يحلها تغير نسبة القوى؛ أمّا مسألة ما إذا كان هذا التغير اقتصاديا «صرفا» أو غير اقتصادي (عسكريا مثلا) فهي مسألة ثانوية لا يمكنها أن تغير شيئا في الآراء الأساسية عن العهد الحديث في الرأسمالية. فالاستعاضة عن مسألة فحوى الصراع والصفقات بين اتحادات الرأسماليين بمسألة شكل الصراع والصفقات (وهو اليوم سلمي وغدا سلمي وبعد غد غير سلمي كذلك) يعني الانحطاط إلى حضيض السفسطائيين.
إن عهد الرأسمالية الحديثة يبين لنا أن ثمة علاقات تتكون بين اتحادات الرأسماليين على صعيد اقتسام العالم اقتصاديا وان ثمة علاقات تتكون بمحاذاة ذلك وتبعا لذلك بين الاتحادات السياسية، بين الدول، على صعيد اقتسام العالم إقليميا، على صعيد الصراع من أجل المستعمرات، «الصراع من أجل الرقاع الاقتصادية».
--------------------------------------------------------------------------------
(1) ييدلس، المؤلف المذكور، ص 232.
(2) Riesser ، المؤلف المذكور؛ Diouritch ، المرلف المذكور؛ ص 239؛ Kurt Heining ، المقال المذكور.
(3) ييدلس، ص ص 192-193.
(4) Diouritch ، ص ص 245 –246.
(5) «Die Bank», 1912,2, 629, 1913, 1, 338
(6) Riesser، المؤلف المذكور، ص 125.
(7) Vogelstein. «Organisatiosformen» ، ص 100.
(
Liefmann. «Kartelle und Trusts», 2. A ص 161.
الفصل السادس
اقتسام العالم بين الدول الكبرى
يعطي الجغرافي أ. سوبان في مؤلفه «اتساع أراضي مستعمرات أوروبا»(1) النتيجة المختصرة التالية لهذا السير في نهاية القرن التاسع عشر:
النسبة المئوية للأراضي العائدة للدول الأوروبية صاحبة المستعمرات (بما فيها الولايات المتحدة):
سنة 1876 سنة 1900 الزيادة
في افريقيا 10.8% 90.4% +79.6%
في بولينيزيا 56.8% 98.9% +42.1%
في آسيا 51.5% 56.6% +5.1%
في أوستراليا 110.0% 100.0% -
في أمريكا 27.5% 27.2% -0.3%
ويخلص سوبان إلى النتيجة التالية: «فالسمة المميزة لهذه المرحلة هي إذن اقتسام افريقيا وبولينيزيا». وبما أنه لا توجد في آسيا وفي أمريكا اراض غير مشغولة، أي غير عائدة لدولة من الدول، ينبغي علينا أن نوسع استنتاج سوبان وأن نقول أن السمة المميزة للمرحلة المذكورة هي الإقتسام النهائي للأرض، لا بمعنى استحالة إعادة التقاسم، – فإعادة التقاسم هي بالعكس أمر ممكن ومحتوم – بل بمعنى أن السياسة الاستعمارية التي تمارسها الدول الرأسمالية قد انجزت الإستيلاء على الأراضي غير المشغولة في كوكبنا. ولأول مرة بدا العالم مقتسما بشكل لا يمكن معه في المستقبل إلاّ إعادة التقاسم، أي انتقال الأراضي من «مالك» لآخر، لا إنتقالها من حالة أراض لا مالك لها إلى ذات «مالك».
فنحن نجتاز، إذن، عهدا خاصا من سياسة استعمارية عالمية مرتبطة أوثق ارتباط بـ«احدث درجة في تطور الرأسمالية»، بالرأسمال المالي. ولذا من الضروري أن نتناول قبل كل شيء الوقائع بالتفصيل لكي نتبين بما أمكن من الدقة ما يميز هذا العهد عن العهود السابقة وكذلك وضع الأمور الراهن. ويتبادر إلى الذهن هنا بادئ ذي بدء سؤالان عمليان: هل يلاحظ اشتداد السياسة الاستعمارية وتفاقم الصراع من أجل المستعمرات في عهد الرأسمال المالي بالضبط، وكيف اقتسم العالم من هذه الناحية في الوقت الراهن.
يحاول الكاتب الأمريكي موريس في كتابه عن تاريخ الاستيلاء على المستعمرات(2) تعميم المعلومات عن مساحة مستعمرات إنجلترا وفرنسا وألمانيا في مختلف مراحل القرن التاسع عشر. وها هي، باختصار، النتائج التي توصل إليها:
مساحة المستعمرات
سنوات إنجلترا فرنسا ألمانيا
المساحة (بملايين الأميال المربعة) السكان (بالملايين) المساحة (بملايين الأميال المربعة) السكان (بالملايين) المساحة (بملايين الأميال المربعة) السكان (بالملايين)
1815-1830 ؟ 126.4 0.02 0.5 - -
1860 2.5 145.1 0.2 3.4 - -
1880 7.7 267.9 0.7 7.5 - -
1899 9.3 309.0 3.7 56.4 1.0 14.7
إن مرحلة اشتداد الاستيلاء على المستعمرات اشتدادا هائلا هي بالنسبة لإنجلترا سنوات 1860-1880 واشتداد ملحوظا جدا في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر, ومرحلة الاشتداد الهائل بالنسبة لفرنسا وألمانيا هي العقدين الأخيرين بالضبط. وقد رأينا فيما تقدم أن رأسمالية ما قبل عهد الاحتكار، رأسمالية سيادة المزاحمة الحرة قد بلغت أوج تطورها في مرحلة سنوات 1860-1880. وها نحن نرى الآن أنه بعد هذه المرحلة بالضبط تبتدئ «النهضة» الكبرى في الاستيلاء على المستعمرات ويحتدم للغاية وطيس الصراع من أجل اقتسام أراضي العالم. ولا مجال للشك إذن في أن انتقال الرأسمالية إلى درجة الرأسمالية الاحتكارية، إلى الرأسمال المالي، مرتبط باحتدام الصراع من أجل اقتسام العالم.
يشير هوبسون في مؤلفه عن الإمبريالية إلى مرحلة سنوات1883-1900 باعتبارها مرحلة اشتداد «توسع» الدول الأوروبية الرئيسية. وبموجب حساباته، تملكت إنجلترا خلال هذا الوقت 3.7 ملايين ميل مربع يسكنها 57 مليون نسمة؛ وفرنسا 3.6 ملايين ميل مربع يسكنها 36.5 مليون نسمة؛ وألمانيا 1 مليون ميل مربع يسكنها14.8 مليون نسمة، وبلجيكا 900 ألف ميل مربع يسكنها 30 مليون نسمة؛ والبرتغال 800 ألف ميل مربع يسكنها 9 ملايين نسمة. إن ركض جميع الدول الرأسمالية وراء المستعمرات في أواخر القرن التاسع عشر ولاسيما منذ سنوات العقد التاسع هو واقع يعرفه الجميع في تاريخ الديبلوماسية والسياسة الخارجية.
في أوج ازدهار المزاحمة الحرة في إنجلترا، وفي مرحلة سنوات 1840-1860، كان قادتها السياسيون البرجوازيون ضد السياسة الاستعمارية وكانوا يعتبرون المستعمرات وانفصالها التام عن إنجلترا أمرا محتوما ومفيدا. ففي مقالة عن «الامبريالية الإنجليزية الحديثة»(3) ظهرت في سنة 1898 يشير م. بير إلى أن رجلا من رجال الدولة الإنجليزية يميل عموما أشد الميل إلى الإمبريالية وهو ديسرائيلي قد قال في سنة 1852 أن «المستعمرات هي أحجار طاحون في رقبتنا». في أواخر القرن التاسع عشر كان سيسيل رودس وجوزيف تشمبرلين بطلي الساعة في إنجلترا وكانت يبشران بالإمبريالية على المكشوف ويمارسان السياسة الإمبريالية بمنتهى القحة!
وجدير بالذكر أن قادة البرجوازية الإنجليزية السياسيين هؤلاء كانوا في ذلك الحين يرون بوضوح العلاقات بين جذور الإمبريالية الحديثة الاقتصادية الصرف إن أمكن القول والاجتماعية السياسية. فقد كان تشمبرلين يروج بالامبريالية باعتبارها «سياسة أصيلة، حكيمة، مقتصدة» مشيرا بصورة خاصة إلى المزاحمة التي تصادفها إنجلترا الآن في السوق العالمية من جانب ألمانيا وأمريكا وبلجيكا. الخلاص في الإحتكار – هكذا كان يقول الرأسماليون وهم يؤسسون الكارتيلات والسينديكات والتروستات. الخلاص في الإحتكار – كان يردد زعماء البرجوازية السياسيون مسرعين إلى الاستيلاء على أنحاء العالم التي لم تقتسم بعد. وقد روى الصحفي ستيد أن صديقه الحميم سيسل رودس قد حدثه في سنة 1895 عن نظراته الإمبريالية بقوله: «كنت أمس في الايست أند (حي العمال في لندن) وحضرت اجتماعا من اجتماعات العمال العاطلين، وقد سمعت هناك خطابات فظيعة كانت من أولها إلى آخرها صرخات: الخبز! الخبز! وأثناء عودتي إلى البيت كنت أفكر بما رأيت واقتنعت أوضح من السابق بأهمية الإمبريالية… إن الفكرة التي أصبو إليها هي حل المسألة الاجتماعية، أعني: لكيما ننقذ أربعين مليونا من سكان المملكة المتحدة من حرب أهلية فتاكة ينبغي علينا نحن الساسة طلاب المستعمرات أن نستولي على أراض جديدة لنرسل إليها فائض السكان ولنقتني ميادين جديدة لتصريف البضائع التي تنتجها المصانع والمناجم. فالإمبراطورية، وقد قلت ذلك مرارا وتكرارا، هي مسألة البطون. فإذا كنتم لا تريدون الحرب الأهلية ينبغي عليكم أن تصبحوا امبرياليين»(4).
هذا ما قاله في سنة 1895 سيسيل رودس المليونير وملك المال والمسؤول الرئيسي عن الحرب الإنجليزية-البويرية؛ ولكن دفاعه عن الإمبريالية، وإن كان فظا وقحا، لا يختلف في الجوهر عن «نظرية» السادة ماسلوف، زوديكوم، بوتريسوف، دافيد، ومؤسس الماركسية الروسية ومن على شاكلتهم. فقد كان سيسيل روديس اشتراكيا-شوفينيا أشرف قليلا…
ولكيما نعطي صورة أقرب إلى الدقة ما أمكن عن تقاسم أراضي العالم وعن التغيرات التي حدثت في هذا الحقل خلال العشرات الأخيرة من السنين نستفيد من المعلومات التي أعطاها سوبان في مؤلفه المذكور حول مستعمرات جميع دول العالم. يأخذ سوبان سنتي 1876 و1900؛ ونحن نأخذ سنة 1876، إذ أنها نقطة أحسن اختيارها، لأن تطور رأسمالية أوروبا الغربية في عهد ما قبل الاحتكار يمكن أن يعتبر قد إنتهى بالإجمال وبوجه عام حول هذا التاريخ –ونأخذ سنة 1914 مستعيضين عن أرقام سوبان بأرقام أحدث مأخوذة عن «الجداول الجغرافية والاحصائية» لهوبنز. يكتفي سوبان بالمستعمرات؛ ونحن نعتقد أن من المفيد – لتكتمل في مخيلتنا صورة تقاسم العالم – أن نضيف معلومات مختصرة عن البلدان غير المستعمرة وعن أشباه مستعمرات التي نعتبر ضمنها بلاد فارس والصين وتركيا: فالأولى قد غدت مستعمرة بصورة تامة تقريبا، أمّا الثانية والثالثة فتتدحرجان إلى هذه النهاية.
ويكون الحاصل ما يلي (راجعوا ص 515).
يبين لنا هذا الجدول بجلاء كيف «انتهى» تقاسم العالم على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين. فقد تضخمت مستعمرات الدول الست الكبرى لحد هائل بعد سنة 1876: أكثر من النصف، من 40 إلى 65 مليون كيلومتر مربع. والزيادة تبلغ 25 مليون كيلومتر مربع، أي بزيادة النصف عن مساحة البلدان مالكة المستعمرات (16.5 مليون). وفي سنة 1876 لم يكن لدى ثلاث دول أي مستعمرة، أمّا الرابعة، فرنسا، فلم يكن لديها مستعمرات تقريبا. وفي سنة 1914 كان لهذه الدول الأربع مستعمرات تبلغ مساحتها 14.1 مليون كيلومتر مربع، أي مساحة تزيد عن مساحة أوروبا بنسبة تقارب النصف ويبلغ عدد سكانها نحو 100 مليون نسمة. إن التفاوت في توسيع المستعمرات كبير جدا. فإذا قارنا مثلا فرنسا وألمانيا واليابان التي لا تختلف كثيرا من حيث المساحة وعدد السكان وجدنا أن الأولى في هذه البلدان قد اقتنت من المستعمرات (من حيث المساحة) نحو ثلاثة أضعاف ما اقتنته الثانية والثالثة مجتمعتين. ولكن من حيث مقادير الرأسمال المالي قد تكون فرنسا في بداية المرحلة المذكورة أغنى بعدة أضعاف أيضا من واليابان مجتمعتين . وعدا الظروف الاقتصادية الصرف وعلى أساسها، تؤثر على اتساع مساحات المستعمرات الظروف الجغرافية وغيرها. ورغم سعة الخطوة التي خطتها خلال العقود الأخيرة من السنين تسوية العالم والتقريب بين ظروف الاقتصاد والمعيشة في مختلف البلدان تحت ضغط الصناعة الضخمة والتبادل والرأسمال المالي، ما زال الفرق على كل حال كبير، نلاحظ بين الدول الست المذكورة، من جهة، بلدانا رأسمالية فتية تقدمت بسرعة خارقة (أمريكا، ألمانيا، اليابان)؛ ومن جهة أخرى، بلدي التطور الرأسمالي القديم اللذين كانا تقدمهما في الوقت الأخير أبطأ جدا من تقدم البلدان الآنفة الذكر (فرنسا وإنجلترا)؛ ومن الجهة الثالثة، البلد الأكثر تأخرا من الناحية الاقتصادية (روسيا) الذي احيطت فيه الامبريالبية الرأسمالية الحديثة، إن أمكن القول، بشبكة كثيفة جدا من علاقات عهد ما قبل الرأسمالية
مستعمرات الدول الكبرى: (بملايين الكيلومترات المربعة وملايين السكان)
المستعمرات المتروبولات المجموع
سنة 1876 سنة 1914 سنة 1914 سنة 1914
مليون كيلومتر مليون نسمة مليون كيلومتر مليون نسمة مليون كيلومتر مليون نسمة مليون كيلومتر مليون نسمة
إنجلترا 22.5 251.9 33.5 393.5 0.3 46.5 33.8 440.0
روسيا 17.0 15.9 17.4 33.2 5.4 136.2 22.8 169.4
فرنسا 0.9 6.0 10.6 55.5 0.5 39.6 11.1 95.1
ألمانيا - - 2.9 12.3 0.5 64.9 3.4 77.2
الولايات المتحدة - - 0.3 9.7 9.4 97.0 9.7 106.7
اليابان - - 0.3 19.2 0.4 53.0 0.7 72.2
المجموع لـ 6 دول الكبرى 40.4 273.8 65.0 523.4 16.5 437.2 81.5 960.6
مستعمرات الدول الأخرى (بلجيكا، هولندا وغيرهما) 9.9 45.3
أشباه المستعمرات (بلاد فارس، الصين، تركيا) 14.5 361.2
البلدان الأخرى 28.0 289.9
مجموع الأرض 133.9 1657.0
وإلى جاني مستعمرات الدول الكبرى قد وضعنا المستعمرات غير الواسعة العائدة للدول الصغيرة. وهذه المستعمرات هي، إن أمكن القول الهدف المباشر «لتقاسم جديد» للمستعمرات ممكن ومحتمل. وعلى الأغلب ما كانت هذه الدول الصغيرة لتحتفظ بمستعمراتها لو لم توجد بين الدول الكبرى تناقضات مصالح واحتكارات الخ.، تعيق اتفاقها على تقاسم الغنيمة. أمّا فيما يخص الدول «شبه المستعمرة» فهي مثل الأشكال الانتقالية التي تصادف في جميع ميادين الطبيعة والمجتمع فالرأسمال المالي هو قوة كبرى ويمكننا أن نقول فاصلة في جميع العلاقات الاقتصادية والدولية بحيث أن باستطاعتها أن تخضع لنفسها وهي تخضع في الواقع حتى الدول التي تتمتع باستقلالها السياسي الناجز؛ وسنرى الآن المثل على ذلك. ولكن من البديهي أن ما يعطي الرأسمال المالي الوضع «الأفضل» والنفع الأكبر هو ذلك الخضوع الذي يتبع فقدان البلدان والشعوب المستعبدة لاستقلالها السياسي. والبلدان شبه البلدان والشعوب المستعبدة لاستقلالها السياسي. والبلدان شبه المستعمرة هي نموذجية باعتبارها «بين بين» في هذا المضمار. ومن المفهوم أن الصراع من أجل هذه البلدان شبه التابعة كان لابدّ أن يحتدم بصورة خاصة في عهد الرأسمال المالي ما دامت بقية العالم قد اقتسمت.
لقد وجدت سياسة الاستيلاء على المستعمرات ووجدت الإمبريالية قبل أن تبلغ الرأسمالية مرحلتها الحديثة وحتى قبل الرأسمالية. فروما القائمة على نظام العبودية كانت تمارس سياسة الاستيلاء على المستعمران وتحقق الإمبريالية. ولكن البحث «بصورة عامة» في الإمبريالية، مع نسيان أو استصغار شأن الفرق الجذري بين النظم الاجتماعية الاقتصادية يؤول حتما إلى هذر فارغ أو إلى تبجح من نوع المقارنة بين «روما العظمى وبريطانيا العظمى»(5)، فحتى السياسة الاستعمارية التي مارستها الرأسمالية في مراحلها السابقة تختلف اختلافا جوهريا عن سياسة الرأسمال المالي الاستعمارية.
إن الخاصية الأساسية في الرأسمالية الحديثة هي سيطرة الاتحادات الاحتكارية التي يؤسسها كبار أصحاب الأعمال. وهذه الإحتكارات هي أوطد ما تكون حين تتفرد بوضع يدها على جميع مصادر الخامات؛ وقد رأينا بأي اندفاع توجه اتحادات الرأسماليين العالمية جهودها لكي تنتزع من الخصم كل إمكانية للمزاحمة ولكي تشتري مثلا مطمورات الحديد أو حقول النفط وهلم جرا. وحيازة المستعمرات هي وحدها ما يعطي الاحتكارات الضمانة التامة للنجاح ضد كل طوارئ الصراع مع المنافس –حتى في حالة ما إذا رغب المنافس في الدفاع عن نفسه باستصدار قانون عن إقامة احتكار الدولة. فكلما تقدمت الرأسمالية في تطورها، وكلما بدا بصورة أوضح نقص الخامات وكلما استعرت المزاحمة واشتد الركض وراء مصادر الخامات في العالم كله، احتدام الصراع من أجل حيازة المستعمرات.
وقد كتب شيلدر: «بالإمكان أن نجرؤ على تأكيد قد يبدو للبعض غريبا، وهو أن نمو السكان المدنيين والصناعيين قد يصطدم في مستقبل قريب لحد ما بعقبة نقص خامات الصناعة لحد أكبر جدا من نقص المواد الغذائية». وهكذا يشتد مثلا نقص الخشب الذي ترتفع أسعاره دون انقطاع والجلد والخامات اللازمة لصناعة النسيج. «تحاول اتحادات الصناعيين إيجاد توازن بين الزراعة والصناعة في نطاق الاقتصاد العالمي كله. وعلى سبيل المثال يمكن ذكر الاتحاد العالمي لجمعيات صناعة خيوط القطن الذي وجد من سنة 1904 في جملة من الدول الصناعية الكبرى والاتحاد الأوروبي لجمعيات صناعة خيوط الكتان المؤسس على نفس الطراز في سنة 1901»(6).
يحاول الإصلاحيون البرجوازيون وبينهم بوجه خاص الكاوتسكيون الحاليون أن يقللوا طبعا من أهمية هذا النوع من الوقائع بقولهم أن «بالإمكان» الحصول على الخامات في السوق الحرة بدون السياسة الاستعمارية «ذات التكاليف الكبيرة والخطيرة» وأن «باإمكان» زيادة عرض الخامات زيادة كبيرة «بمجرد» تحسين ظروف الزراعة بوجهه عام. ولكن هذه الأقاويل تغدو دفاعا عن الإمبريالية وتجميلا لوجهها لأنها قائمة على نسيان الخاصية الرئيسية في الرأسمالية الحديثة: الاحتكار. تغيب السوق الحرة شيئا فشيئا في طيات الماضي، فالسينديكات والتروستات الاحتكارية تبترها من يوم لآخر؛ أمّا «مجرد» تحسين ظروف الزراعة فينحصر في تحسين حالة الجماهير ورفع الاجور وتقليل الارباح . ولكن هل توجد في غير مخيلات الاصلاحيين دوي الكلمات المعسولة تروستات يمكنها ان تهتم بحالة الجماهير بدلا من الاستيلاء على المستعمرات؟
لا يقصر الرأسمال المالي اهتمامه على مصادر الخامات المكتشفة وحدها، بل يهتم كذلك بمصادر الخامات المحتملة، لأن التكنيك يتقدم في أيامنا بسرعة لا يتصورها العقل؛ والأراضي غير الصالحة اليوم قد تغدو صالحة غدا إذا أوجدت لذلك طرائق جديدة (ولهذا الغرض يستطيع بنك من البنوك الكبرى تجهير بعثة خاصة من المهندسين والخبراء الزراعيين الخ.) وإذا أنفق رأسمال كبير. والشيء نفسه فيما يخص التنقيب عن الثروات المعدنية والأساليب الجديدة لتحضير هذه الخامات أو تلك والاستفادة منها الخ.، وهلم جرا. ومن هنا لا مفر للرأسمال المالي من أن ينزع إلى توسيع أراضيه الاقتصادية وحتى أراضيه بوجه عام. وعلى غرار التروستات التي تقدر أملاكها برأسمال منفوخ ضعفين أو ثلاث أضعاف، حاسبة الأرباح «المحتملة» في المستقبل (لا الأرباح الراهنة)، حاسبة نتائج الاحتكار المقبلة، يطمح الرأسمال المالي بوجه عام إلى الإستيلاء على أكثر ما يمكن من الأراضي مهما كانت وحيثما كانت وبأية وسيلة كانت، آخذة بعين الإعتبار مصادر الخامات المحتملة وخوفا من التأخر في الصراع المسعور من أجل قطعة من العالم غير المقتسم أو من أجل إعادة تقاسم القطع التي تم تقسيمها.
يبذل الرأسماليون الإنجليز قصارى جهدهم لتطوير انتاج القطن في مستعمرتـهم مصر ففي سنة 1904 زرع القطن في 0.6 مليون هكتار من مجموع 2.3 مليون هكتار من الأراضي المزروعة، أي أكثر من الربع. ويسير الرأسماليون الروس على نفس النمط في مستعمرتـهم تركستان. ذلك لأن هذه الطريق تسهل لهم التغلب على مزاحميهم الأجانب، تسهل لهم الوصول إلى احتكار مصادر الخامات وإنشاء تروست للنسيج أكثر توفيرا وربحا ذي إنتاج «مركب» يركز في يد واحدة جميع مراحل إنتاج ومعالجة القطن.
إن مصالح تصدير الرأسمال تدفع كذلك إلى الاستيلاء على المستعمرات، لأن من الأسهل في أسواق المستعمرات (وأحيانا لا يمكن إلاّ فيها) إزاحة المزاحم بالطرق الاحتكارية وتأمين الطلب وتوطيد «العلاقات» اللازمة وهلم جرا.
إن البناء الفوقي غير الاقتصادي القائم على أساس الرأسمال المالي، سياسة وإيديولوجية هذا الأخير –كل هذا يشدد السعي إلى الاستيلاء على المستعمرات. وقد صدق هيلفردينغ إذ قال: «إن الرأسمال المالي لا يريد الحرية، بل السيطرة». وقد قال كاتب برجوازي فرنسي، وكأنه يطور ويكمل أفكار سيسيل رودس المذكورة أعلاه(7)، أنه ينبغي أن تضاف الأسباب الاجتماعية إلى الأسباب الاقتصادية التي تنشأ عنها السياسة الاستعمارية الراهنة: «ونتيجة لاشتداد تعقد الحياة والصعوبات التي لا تضغط على جماهير العمال وحسب، بل وعلى الطبقات الوسطى، يتراكم في جميع بلدان المدنية القديمة «الضجر والنقمات والأحقاد مهددة الأمن العام؛ وطاقة خارجة عن مجراها الطبقي العادي ينبغي استخدامها، ينبغي تشغيلها في الخارج لكيلا يحدث انفجار في الداخل»(
.
وما دمنا في معرض الحديث عن السياسة الاستعمارية في عهد الإمبريالية الرأسمالية ينبغي أن نشير إلى أن الرأسمال المالي والسياسة الدولية الملازمة له التي تتلخص في الصراع بين الدول الكبرى من أجل اقتسام العالم اقتصاديا وسياسيا يخلقان جملة من أشكال انتقالية من تبعية الدول. فما يميز هذا العهد ليس فقط الفريقان الأساسيات من البلدان: المالكة للمستعمرات والمستعمرات، بل كذلك مختلف أشكال البلدان التابعة، المستقلة رسميا من الناحية السياسية والواقعة عمليا في شباك التبعية المالية والديبلوماسية. وقد سبق لنا أن أشرنا إلى شكل من هذه الأشكال – البلدان شبه المستعمرة. والأرجنتين مثلا هي نموذج شكل آخر.
فقد كتب شولتزه-غيفيرنيتز في مؤلفه عن الإمبريالية البريطانية: «إن أمريكا الجنوبية ولاسيما الأرجنتين في حالة تبعية مالية للندن لدرجة ينبغي نعتها بأنها تقريبا مستعمرة تجارية بريطانية»(9). واستنادا إلى تقارير قنصل النمسا-المجر في بوينوس آيرس في سنة 1909 قدر شيلدر الرساميل التي وظفتها إنجلترا في الأرجنتين 8.75 مليار فرنك. ومن اليسير على المرء أن يتصور مدى وثوق الصلات التي يكتسبها بحكم ذلك، الرأسمال المالي الإنجليزي – و«صديقته» الحميمة، الديبلوماسية الإنجليزية – مع برجوازية الأرجنتين وأوساطها القائدة لكامل حياتها الاقتصادية والسياسية.
والبرتغال مع استقلالها السياسي تعطينا مثلا لشكل من أشكال التبعية المالية والديبلوماسية يختلف بعض الشيء. البرتغال هي دولة مستقلة ذات سيادة، ولكنها في الواقع تحت الحماية البريطانية منذ أكثر من 200 سنة، من زمن الحرب من أجل العرش الإسباني (1701-1714). فقد دافعت إنجلترا عنها وعن مستعمراتها بقصد توطيد موقعها في الصراع ضد خصميها، اسبانيا وفرنسا. وقد حصلت إنجلترا في المقابل على منافع تجارية وعلى أفضل الشروط لتصدير البضائع ولا سيما الرساميل إلى البرتغال ومستعمراتها وعلى امكانية الاستفادة من موانئ وجزر البرتغال وخطوطها التليغرافية والخ.، وهلم جرا(10). وهذا النوع من العلاقات قد وجد على الدوام بين الدول الكبرى والصغرى، ولكنه في عهد الامبريالية الرأسمالية يغدو نظاما عاما ويكون جزءا من مجموع علاقات «تقاسم العالم»، ويصبح حلقات في سلسلة عمليات الرأسمال المالي العالمي.
ولكي ننتهي من مسألة تقاسم العالم ينبغي علينا أن نشير كذلك إلى ما يلي. إن الأدب الأمريكي والأدب الإنجليزي لم يكونا الوحيدين اللذين طرحا هذه المسألة بكل صراحة ووضوح بعد الحرب الاسبانية الأمريكية والحرب الإنجليزية البويرية في نهاية القرن التاسع عشر. والأدب الألماني الذي كان يراقب «الإمبريالية البريطانية» بكل «غيرة» لم يكن كذلك الوحيد الذي بحث هذا الواقع بصورة مستمرة. فقد طرحت هذه المسألة كذلك في الأدب البرجوازي الفرنسي بشكل جلي واسع بمقدار ما يمكن تصور ذلك من وجهة النظر البرجوازية. فلنستشهد بالمؤرخ دريو الذي كتب في مؤلفه: «القضايا السياسية والاجتماعية في نهاية القرن التاسع عشر» في فصل «الدول الكبرى وتقاسم العالم»: «في غضون السنوات الأخيرة احتلت دول أوروبا وأمريكا الشمالية جميع البقاع الشاغرة في العالم باستثناء الصين. وقد جرت على هذا الصعيد عدة منزاعات وتبدلات لمناطق النفوذ هي نذير انفجارات أفظع في المستقبل القريب. إذ أنه تنبغي السرعة: فالأمم التي لم تؤمن نفسها من هذه الناحية مهددة بعدم الحصول أبدا على حصتها وبعدم الاشتراك في استثمار الكرة الأرضية، هذا الاستثمار الهائل الذي سيكون واقعا من الوقائع الأساسية في القرن المقبل (أي العشرين). ولهذا السبب استولت على أوروبا وأمريكا جميعهما في الوقت الأخير حمى توسيع المستعمرات، حمى الإمبريالية«، التي هي أبرز السمات المميزة لأواخر القرن التاسع عشر» ويستطرد المؤلف: «في هذا التقاسم للعالم، في هذا الركض المسعور وراء الكنوز وكبريات أسواق الأرض لا يوجد أي تناسب على الإطلاق بين القوة النسبية للإمبراطوريات المؤسسة في هذا القرن، التاسع عشر، وبين المكان الذي تحتله في أوروبا الأمم التي أسستها. فالدول المهيمنة في أوروبا والمتصرفة بمصائرها ليست مهيمنة في العالم بالقدر نفسه. ولما كانت سعة المستعمرات، والأمل بالحصول على ثروات لا تزال مجهولة، سيجدان دون شك تأثيرهما منعكسا على قوة الدول الأوروبية النسبية، فإن مسألة المستعمرات – «الإمبريالية» إن شئتم – التي قد غيرت الظروف السياسية في أوروبا نفسها ستغيرها بحكم ذلك أكثر فأكثر»(11).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) A. Supan. «Die territoriale Entwicklung der europäischen Kolonien». 1906. ، ص 254 (أ. سوبان. «اتساع أراضي مستعمرات أوروبا» الناشر)
(2) Henry C. Morris. «The History of Colonization». N.Y., 1900 vol. II, pp, 88; I, 419; II, 304 (هنري ك. موريس. «تاريخ الاستيلاء على المستعمرات». نيويورك، سنة 1900، المجلد2، ص 88؛ 1، 419؛ 1، 304. الناشر).
(3) «Die Neue Zeit», XVI, I, 1898, S. 302.
(4) «Die Neue Zeit», XVI, I, 1898, S. 304.
(5) C. P. Lucas. «Greater Rpme and Greater Britain». Oxf., 1912. (ك. ب. لوكاس. «روما العظمى وبريطانيا العظمى» أوكسفورد، سنة 1912. الناشر). أو Earl of Cromer. «Ancient and moderne Imperialism».L. 1910. (الكونت كرومير. «الإمبريالية القديمة والحديثة». لندن، سنة 1910 الناشر).
(6) Schilder، المؤلف المذكور، ص ص 38-42.
(7) راجعوا هذا الكتاب، ص 512. الناشر
(
Wahl. «La France aux colonies» (فال. «فرنسا في المستعمرات». الناشر)، نقلا عن Henry Russier. «Le Partage de l’Océanie». P., 165 (هنري روسيه. «تقاسم أوقيانيا». باريس، سنة 1905، ص 165. الناشر)
(9) Schulze-Gaevernitz. «Britischer Imperialismus und englischer Freihandel zu Beginn des 20-ten Jahrhunderts» Lpz. 1906. ، ص 318 (شولتزه-غيفيرنيتز. «الامبريالية البريطانية والتجارة الإنجليزية الحرة في أوائل القرن العشرين». ليبزيغ، سنة 1916. الناشر). والشيء نفسه Sartorius v. Waltershausen. «Das volkswirtschaftliche System der Kapitlanlage im Auslande». Berlin, 1907. S. 46 (سارتوريس فون فالترسهاوزن. «النظام الاقتصادي لتوظيف الرأسمال في الخارج». برلين، سنة 1907، ص 46. الناشر).
(10) شيلدر، المؤلف المذكور، مجلد 1، ص ص 160-161.
(11) J-E Driault. «Prodlèmes politiques et sociaux». P., 1900 ، ص299 (ج.-ي. دريو. «القضايا السياسية والاجتماعية». باريس. الناشر)
الفصل السابع
الإمبريالية مرحلة خاصة في الرأسمالية
ينبغي علينا الآن أن نحاول استخلاص بعض النتائج، تعميم ما قلناه فيما تقدم عن الإمبريالية. لقد نشأت الإمبريالية باعتبارها تطورا واستمرارا مباشرا لما فطرت عليه الرأسمالية بوجه عام من خصائص أساسية. ولكن الرأسمالية لم تصبح إمبريالية رأسمالية إلاّ عندما بلغت في تطورها درجة معينة، عالية جدا، عندما أخذ يتحول إلى نقيضه بعض من أخص خصائص الرأسمالية، عندما تكونت وظهرت على طوال الجبهة كلها سمات مرحلة انتقالية من الرأسمالية إلى نظام اقتصادي اجتماعي أعلى. والأمر الأساسي في هذا السير هو من الناحية الإقتصادية حلول الاحتكارات الرأسمالية محل المزاحمة الحرة الرأسمالية. فالمزاحمة الحرة هي أخص خصائص الرأسمالية والإنتاج البضاعي بوجه عام؛ والاحتكار هو نقيض المزاحمة الحرة المباشرة، ولكن هذه الأخيرة أخذت تتحول أمام عيوننا إلى احتكار، منشئة الإنتاج الضخم ومزيحة الإنتاج الصغير، مُحِلَّة الأضخم محل الضخم، دافعة تمركز الإنتاج والرأسمال إلى درجة نشأت وتنشأ عنها الاحتكارات: الكارتيلات والسينديكات والتروستات والرأسمال المندمج فيها لنحو عشرة من البنوك التي تتصرف بالمليارات. وفي الوقت نفسه لا تزيل الاحتكارات المزاحمة الحرة التي نشأت عنها، بل تعيش فوقها وإلى جانبها، مولدة لهذا السبب جملة من التناقضات والاحتكارات والنزاعات في منتهى الشدة والقوة. فالاحتكار هو انتقال من الرأسمالية إلى نظام أعلى.
ولئن كانت هنالك ضرورة لتعريف الإمبريالية تعريفا غاية في الإيجاز، ينبغي أن يقال: الامبريالية هي الرأسمالية في مرحلة الاحتكار. ومثل هذا التعريف يضم الأمر الرئيسي، لأن الرأسمال المالي هو رأسمال بضعة من البنوك الاحتكارية الكبرى اندمج في رأسمال اتحادات الصناعيين الاحتكارية، هذا من جهة؛ ومن الجهة الأخرى، إن تقاسم العالم هو إنتقال من سياسة استعمارية تشمل دون عائق أقطارا لم تستول عليها بعد أية دولة رأسمالية إلى سياسة استعمارية تقوم على احتكار حيازة بقاع الأرض المقتسمة بأكملها.